الثلاثاء، 20 أبريل 2010

المفتي الماجن

المفتي الماجن




الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وعلى آله وصحبه ومن والاه ,,,, أما بعد

قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - :

" من أظهر لنا خيراً أمناه وقربناه وليس إلينا من سريرته شيء ومن أظهر لنا سوءاً لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال : إن سريرتي حسنة " .فإن مكانة أهل العلم والعلماء عظيمة عند أهل الإسلام بتعظيم الله ورسوله لها قال الله تعالى " شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ "

قال ابن القيم – رحمه الله – معلقا على هذه الآية :" وفي ضمن هذه الشهادة الإلهية الثناء على أهل العلم الشاهدين بها وتعديلها فإنه سبحانه قرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته , واستشهد بهم جل وعلا على أجل مشهود به " يعني التوحيد " , وجعلهم حجة على من أنكر هذه الشهادة , كما يحُتج بالبينة على من أنكر الحق فالحجة قامت بالرسل على الخلق وهؤلاء نواب الرسل وخلفاؤهم في إقامة حجج الله على العباد "

وقال صلى الله عليه وسلم :" ... إن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر " أخرجه أبو داود والترمذي وبوب عليه البخاري دون ذكر نص الحديث .

ومن أراد معرفة منزلة العلماء فليراجع كتب السلف ومنها كتاب ( جامع بيان العلم وفضله ) لابن عبد البر – رحمه الله – وغيره .

وهذا ليس مدار كلامي وإنما مدار كلامي على من ألبسوا أنفسهم لبوس العلماء , وتزيّوا بزيهم , فظنوا أنهم في مصافهم , وحفظوا بعض كلام العلماء ليمرروا لأنفسهم الظالمة ما يصبون إليه من الرياسة أو الجاه أو الشهرة أو ما سوّلت لهم أنفسهم إليه , وما علم هؤلاء أن جريرتها عظيمة , وتبعاتها وخيمة , والتاريخ شاهد على ذلك ( والتاريخ لا يرحم ) .

وقد سمع هؤلاء بفضل العلم ومكانة العلماء وأنهم قادة الأمة وروحها , فحدثتهم أنفسهم بهذه المنزلة العظيمة دون علم ولا دراية , فسعوا للقمة بالنزول إلى الدرك !!!

فهم أرادوا أن يقال لهم قبل أسمائهم ( العالم فلان ) فأثبتوا لأنفسهم قبل أسمائهم ( المفتي الماجن فلان ) !!!

وقبل أن نقلب صفحات كتب السلف عن أقوالهم في ( المفتي الماجن ) نريد تعريفا لهذا المسمى : جاء في درر الحكام شرح مجلة الأحكام " المفتي الماجن : هو من يعلم الناس الحيل الباطلة أي : الحيل المؤدية إلى الضرر والذي يفتي عن جهل ولا يبالي بتحليل الحرام وتحريم الحلال يقولون : رجل ماجن , والماجن مأخوذ من المجون ومعناه الصلب والغليظ والذي لا يخشى كلام الناس ولا يبالي بما صنع , يعني : هو الذي لا يستحيي ولا يخجل ولعله مأخوذ من غلظ الوجه إذا قل حياؤه "

فهؤلاء المفتين المجنة يخلطون الحق بالباطل والصحيح بالسقيم والضعيف , والمشهور بالشاذ , والمحفوظ بالمطـّرح , فيميعون الدين بحجة التيسير , والأحكام بحجة الرحمة , والثوابت بحجة الواقع , ولو استطاعوا تغيير الدين بأكمله لما تلبثوا بذلك إلا يسيرا , وكل ذلك بليّ ٍللنصوص ببهرج من القول يستميل أذن السامع وصدق الله تعالى فيهم إذ يقول " وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ " .
وهذه بعض صفاتهم سقتها لكم وهي شاهدة عليهم , والمنكر لوجود مثل هؤلاء كالمنكر للمنقول والمعقول :.
وقد ضرب الله مثلا لهؤلاء المجنة بمثال بشع وصف حالهم بأدق وصف وأبلغه كيف لا وهو من عند الله تبارك وتعالى قال سبحانه " وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ "
نسأل الله السلامة والعافية .
وجاء في كتب الأماجد من السادة العلماء ذكر لحال هؤلاء المجنة والحكم فيهم وإليكم شيئا من أخبارهم .
ذكر الفقهاء – رحمهم الله تعالى – أصناف من يجب على الحاكم الحجر عليه فذكروا :
السفيه , والمَدِين , والطبيب الجاهل , والمُـكاري المفلس , والمفتي الماجن .
وقالوا بأن هذا الحكم من مصالح الأمة العظمى .
بل إن أبو حنيفة – رحمه الله – الذي يرى عدم الحجر على السفيه إحتراما ً لآدميته , يقول – رحمه الله – بوجوب الحجر على المفتي الماجن المتلاعب بأحكام الشرع .
وقال شيخ الإسلام – رحمه الله - :" وليس لأحد أن يحكم على عالم بإجماع المسلمين ، بل يبين له أنه قد أخطأ فإن بيـّن له بالأدلة الشرعية التي يجب قبولها أنه قد أخطأ وظهر خطؤه للناس ولم يرجع بل أصر على إظهار ما يخالف الكتاب والسنة , والدعاء إلى ذلك وجب أن يمنع من ذلك ، ويعاقب إن لم يمتنع "
فرحم الله شيخ الإسلام كيف يقول لو رأى تخبط هؤلاء الذين يناقضون الكتاب والسنة علانية ً وينتصرون لأقوالهم بشواذ الأقوال ومع ذلك يصرّون على قولهم بل وصل ببعضهم الجنون إلى حد القول بأن قولهم حق وخلافه باطل !!!
قال أحد أئمة الدعوة النجدية – رحمهم الله – عن أمثال هؤلاء المَجَنة :" وهذا الضرب من الناس : أفسدوا بدعواهم العلم ، على كثير من العامة دينهم ، لما قلدوهم لهواهم ، وأحسنوا بهم الظن ، وفاقا لدنياهم ; فتأمل تجد ما ذكرته واقعا "
فرحمه الله يقول هذا في وقت لم تكن الفتوى تخرج من البلد الذي قيلت فيه إلا بعد وقت وربما تموت فيه , فماذا سيقول لو رأى وقتنا والإعلام بأنواعه الذي يبث الغث والسمين على ملايين البشر !!!
والعجب كل العجب أن هؤلاء لا يستحون من التكلم في كل شيء فهم يتكلمون في النوازل ككلامهم في مسائل الطهارة , وفي الثوابت ككلامهم في الخلافيات الفقهية , مع جهل عجيب بالمسائل التي يتصدون لها .
وهم مع ذلك قد باعوا أعظم مطلوب وهو رضى الله والجنة , بأحقر مكتسب وهو كلام الناس , فأنظر أبعد هذا الغبن من غبن ؟؟؟
قال سحنون: " أشقى الناس من باع آخرته بدنياه ، وأشقى منه من باع آخرته بدنيا غيره , فقال : تفكرت فيه وجدته المفتى يأتيه الرجل قد حنث في امرأته ورقيقته فيقول له : لا شيء عليك فيذهب الحانث فيستمتع بامراته ورقيقته وقد باع المفتي دينه بدنيا هذا " اللهم أسترنا بسترك الجميل .
هذا لمن باع آخرته لدنيا غيره , فكيف بمن باع دنياه وأخراه بالهوى !!!
وبعد هذه الجولة العاطرة في رياض الأئمة الأعلام والسادة الكرام من علمائنا الأجلة في هؤلاء المفتين المَجَنة , نرجع للعمل الواجب على من وليّ على المسلمين من الولاة والحكام تجاههم .
قال ابن القيم - رحمه الله - :" من أفتى الناس وليس بأهل للفتوى فهو آثم عاص ٍ ، ومن أقرّه من ولاة الأمور على ذلك فهو آثم أيضا ً " .
وقال أبو الفرج ابن الجوزي - رحمه الله - :" ويلزم ولي الأمر منعهم كما فعل بنو أمية ، وهؤلاء بمنـزلة من يدل الركب وليس له علم بالطريق ، وبمنـزلة الأعمى الذي يرشد الناس إلى القبلة ، وبمنـزلة من لا معرفة له بالطب ، وهو يطب الناس ، بل هو أسوأ حالاً من هؤلاء كلهم ، وإذا تعين على ولي الأمر منع من لم يحسن التطبب من مداواة المرضى فكيف بمن لم يعرف الكتاب والسنة ولم يتفقه في الدين ؟! "
فالله الله يا ولاة المسلمين في التصدي لهذا السيل الهادر من الآراء الشاذة والأقوال المرذولة من هؤلاء القوم .
أسأل الله أن يشرح صدور ولاتنا وولاة المسلمين لكف هؤلاء المفتين المَجَنة , حماية لأديان الناس ومسيرهم إلى الله تعالى .



=== لفتة ===
::
قال ابن القيم – رحمه الله – معلقا على بعض المسائل الفقهية التي حققها وأنتصر لها بالدليل :" فإنها مشتملة على فوائد جمة , وقواعد مهمة , ومباحث , لمن قصده الظفر بالحق , وإعطاء كل ذي حق حقه , من غير ميل مع ذي مذهبه , ولا خدمة لإمامه وأصحابه , بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بل تابع للدليل حريص على الظفر بالسنة والسبيل , يدور مع الحق أنى توجهت ركائبه , ويستقر معه حيث استقرت مضاربه , ولا يعرف قدر هذا السير إلا من علت همته , وتطلعت نوازع قلبه , واستشرفت نفسه إلى الارتضاع من ثدي الرسالة , والورود من عين حوض النبوة , والخلاص من شباك الأقوال المتعارضة , والآراء المتناقضة , إلى فضاء العلم الموروث , عمن لا ينطق عن الهوى , ولا يتجاوز نطقه البيان والرشاد والهدى , وبيداء اليقين التي من حلها حشد في زمرة العلماء , وعد من ورثة الأنبياء , وما هي إلا أوقات محدودة , وأنفاس على العبد معدودة , فلينفقها فيما شاء " .

أنت القتيل لكل من أحببته ,,, فانظر لنفسك في الهوى من تصطفي "



أسأل الله أن يهديني وجميع المسلمين لصراطه المستقيم .





منقول من

موسى الغنامي

.





ــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
المراجع
الكفاية للخطيب البغدادي .التفسير القيم . درر الحكام شرح مجلة الأحكام . اللباب للميداني . حاشية رد المحتار . مجموع الفتاوى . الدرر السنية . بدائع الفوائد . إعلام الموقعين . تهذيب سنن أبو داود لأبن القيم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق