الأحد، 13 يونيو 2010

الإقصاء والآحادية في القرآن والسنة!

بسم الله الرحمن الرحيم

الإقصاء والآحادية في القرآن والسنة!

يعيب بعض الهوائيين المتأثرين بدعاوى التسامح والتعددية وحرية الرأي والحوار المفتوح وقبول المخالف..الخ من تلك الشعارات المستوردة من الآخر (الكافر الغربي) على من يستمسك بالمنهج الصحيح ويتشبث بما كان عليه سلف الأمة من الحق ويرفض كل منهج وطريق مخالف للحق الذي كان عليه الأسلاف، ويصفونهم بوصوف متعددة منفرة لغرض صد الناس عنهم وتشويه ما هم عليه من الاستمساك بالحق؛ فمرة يقولون عنهم آحاديين، ومرة إقصائيين، ومرة يصفونهم بالجمود، ومرة يتهمونهم بالتقوقع..الخ الخ.
وهذه الأوصاف والتهم التي يكيلها متبع خطو الآخر وسننه ليست قدحا كما صورت لهم عقولهم المستنسخة بل هي مبادئ مقررة في نصوص الوحيين (الكتاب والسنة).
إذ الحق واحد لا يتعدد، وأهله جماعة واحدة ذات أصول واضحة لا خلط فيها ولا لبس. قد تختلف في مسائل الإجتهاد التي لا تثريب على المجتهد المخطئ فيها طالما أنه محافظ على معالم وحدود جماعة الحق لا يخرج عنها متعمدا قاصدا المخالفة.
وسأذكر هنا بعض النصوص التي تثبت شرعية مبدأ الآحادية والإقصاء، ولكن بفهم صحيح يهدف لسحق كل باطل، والإنضواء على الحق ونصرته على ما سواه، ولزوم أهله دون غيرهم:
أمره سبحانه بالتوحيد في كثير من آي القرآن، بل القرآن كله توحيد لله تعالى في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته..والتوحيد يتركب من معنيين هما ركناه الركينين الذي لا قيام له إلا بهما (النفي والإثبات) نفي العبودية عن كل ما سوى الله وإثباتها له تعالى وتعاظم.. هذا إقصاء وآحادية شرعية بل هي أس الوجود وغاية خلقه.
وفي سورة الفاتحة يؤكد على هذا النوع من الآحادية والإقصاء ابتداء في سورة الفاتحة وقوله تعالى ((إياك نعبد)) وفي هذه الآية تقديم وتأخير يعي ذلك من له معرفة باللغة، والقاعدة البلاغية أن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر؛ فيكون المعنى (لا نعبد إلا إياك) وهذا يفيد آحادية العبادة لله تعالى وحده دون ما سواه، وإقصاء كل مألوه غيره لأنه إله باطل وظلم.
ومثلها قوله تعالى في سورة البقرة ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)) البقرة [21/22] في بدء الآية أمر بعبادته سبحانه مع ذكر علة استحقاقه للعبادة، وفي آخرها أقصى جميع المعبودات والأنداد التي كان الكفار يتعبدونها.
ومثل ذلك في سورة البقرة أيضا وقوله: ((وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ))
ومثله في سورة النساء وقول الله تعالى: ((وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا
وتكرر هذا المعنى عدة مرات في سورة المؤمنون في قوله سبحانه حكاية عن أنبيائه: ((يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ))
وغيرها الكثير والكثير من الآيات التي تؤكد على وحدانية الله وتفرده باستحقاق العبادة، مع إقصاء جميع المعبودات الباطلة التي يتخذها الجُهَّال والمعاندون أندادا له تعالى.
مثال آخر من سورة الفاتحة في قوله تعالى: ((اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)) فجعل طريق الهدى الموصل إليه واحداً ، ووصفه بصراط المنعم عليهم؛ فهذه آحادية، ولأن القرآن يفسر بعضه بعضا أتى تعيين أهل الصراط المستقيم المنعم عليهم في آية النساء في قوله تعالى: ((وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَـاولَئِكَ مَعَ الذَّينَ أنْعَمَ اللَّهُ عَلَـيْهِمْ مِنَ النَّبِـيِّـينَ وَالصّدّيقِـينَ والشهَدَاءِ وَالصالِـحِينَ)). فأصحاب هذه الأوصاف الأربعة هم المنعم عليهم أهل الصراط المستقيم، وأقصى من سواهم وخص بالإقصاء المغضوب عليهم والضآلين في قوله: ((غير المغضوب عليهم ولا الضآلين))، والمغضوب عليهم هم اليهود الذين علموا ولم يعملوا بمقتضى علمهم، والضآلين هم النصارى الذين عبدوا الله على جهالة وضلالة ويدخل في هذا الإقصاء الرباني كل من كان على مسلك هذين الصنفين.
وأكد على هذا المعنى في سورة الأنعام في قوله ((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) ، فأمر بلزوم صراطه المستقيم (وهذه آحادية فالحق واحد غير متعدد)،وأعقبه إقصاء للسبل الأخرى المتشعبة والمباينة لصراطه المستقيم.
وفي السنة من النصوص ما لا يتسع المجال لذكره وإنما سأكتفي بمثالين أو ثلاثة يتضح بها المقصود
قوله صلى الله عليه وسلم: ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)) هذا النص النبوي فيه إقصاء لكل عمل تعبدي مخالف لعمل النبي - صلى الله عليه وسلم- ويدل بالمفهوم أن العمل التعبدي المقبول هو الموافق للسنة فحسب (وهذه آحادية واضحة)
وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديث الافتراق:((وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلهم في النار إلا واحدة"، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: "ما أنا عليه وأصحابي")) خص فرقة واحدة فقط بالنجاة والفلاح من بين ثلاث وسبعين فرقة (هذه آحادية)، وحكم على باقي الفرق بدخول النار (وهذا إقصاء).
وفي حديث: ((لَاتَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْخَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَعَلَى النَّاسِ))
فخص طائفة واحدة بالظهور والنصرة والثبات دونا عن باقي الأمة (وهذا إقصاء)
وحديث: ((عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا))، أوصى بالاستمساك بسنته وسنة خلفائه ولم يترك الأمر مفتوحا لكل منهج ومذهب وطريقة..وبالغ في التأكيد على هذا النوع من الآحادية بالأمر بالعض على السنة النبوية وسنة الخلفاء المطابقة للسنة والطريقة النبوية.
والقرآن والسنة زاخرَين بأمثلة عديدة ومتنوعة كلها تصب في جانب آحادية الحق وإقصاء الباطل وسحقه فمن شاء المزيد فليراجع النصوص.
والمقصود من المقال بيان خطأ من يقول بتعدد الصواب وتفرقه بين هؤلاء وهؤلاء؛ فالحق عندنا في كتاب ربنا وسنة نبينا. واحد لا يتعدد وهو معصوم بعصمة مصدره، إذ هو تنزيل من حكيم حميد. ((وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم حميد))((وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى * علمه شديد القوى)).


منقول من

السبت ليلة الأحد الموافق 29/6/1431 هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق